منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - كنوز البوادي من درر الشيخ سيف الهادي
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 11-17-2013 ]
 
 رقم المشاركة : ( 53 )
::المراقب العام::
:: عضو مؤسس::
رقم العضوية : 5936
تاريخ التسجيل : Aug 2012
مكان الإقامة : في عيون الناس
عدد المشاركات : 1,493
عدد النقاط : 118

ناشر الفوائد غير متواجد حالياً



"الصيني والإيطالي ج 3 والأخير"

كانت الجرأة التي تحدث بها الصيني كفيلة بتقديم لجام غليظ لقطع الصوت، إلا أن الشعوب التي اعتادت أن تتصدر الطريق لا يمكنها أن تسير على الجدران فجأة، إن مراحل من الإذلال ربما ستنجح في إيهام السواد الأعظم بأنهم أذلاء، أما القادة والأذكياء فلا يقبلون السقوط. لقد انتبه الإمام القطب أطفيش – رحمه الله – إلى رغبة المبعوث الفرنسي في اعتلاء المنصة الأعلى أثناء المفاوضات، فطلب منصة أعلى منه وهو يقول : إن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه .

كان الإيطالي يريد أن يسمعنا مبدأً طالما اشتغل الإعلام الغربي على ترسيخه وهو انفراد المسلمين بلفظة الإرهاب، وأن طائرةَ تصويرٍ كهذه يمكن أن تنفذ عملياتٍ دقية في عالم الرعب، ولذلك سأل عن قدرتها على حمل الصواريخ!! ورغم أن إجابة الصيني كافيةٌ لإنهاء المشهد، إلا أن الإيطالي كان مصرا على هدفه، فواصل يقول :

- لكن أصحاب اللحى، يريدون هذه الطائرات للصواريخ ؟

وانطلقت منه ضحكةٌ عالية، بينما استعد الصيني للمفاجأة :

- إنك تفتقد اللياقة في الحديث، ولن أسمح لك بإهانة ضيوفي ..

علتنا حالة من الدهشة ونحن نراقب المشهد، إننا معاشر المسلمين لا نحمل بإسلامنا للبشرية سوى الخير، ونرفض أن يكون الإرهاب منهجا أو سلوكا، بل إن البشرية كلها لو قررت الكفر لما كان يحق لنا أن نسوقهم بسياط الرهبة إلى الإسلام " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ " وقد قدمنا في عمان نماذج راقية للتسامح والسلام تنظيرا وتطبيقا، فعبر المحيطات كان أهل عمان ينشرون الإسلام في هدوء ويبسطون وجوه البشر والرحمة للبشرية التي يمتد إليها سلطانهم أو تجارتهم، ولم نعرف في تاريخنا مرحلة لجأنا فيها إلى إرهاب البشرية باسم الدين، ولا زلنا نعتقد أن ما يبثه الإعلام الغربي عن المسلمين عامة لا يمثل سوى جزء من السياسة الغربية في محو أثار الإسلام وتصويره بالطريقة الخطأ .

الإيطالي: ولكنني أمزح ..

الصيني: ليس هذا المزاح مقبولا، إن للمزاح مواضع يعرفها العقلاء، فهل إهانة ضيوفي تعتبره مزاحا !!!

- ولكننا – معاشر الإيطاليين – معرفون بالمزاح، ولا نضع له حدودا!!

- إن خطأ الإيطاليين لسنا مسؤليين عن تحمله.

- ولكن أصحاب اللحى يمكنهم فعل ذلك أيضا

- قلت لك كف عن هذا الكلام وإلا غادر المكان، إنني لا أسمح بإهانة ضيوفي أبدا.

- طيب أخبرني عن عمل هذه الطائرة، كيف يتم التصوير بها؟

- لست أدري إذا كنت تعي الكلام أم لا، إن هؤلاء سبقوك بالدور فالكلام لهم وليس لك .

انتهى المشهد عند هذه الكلمة، والتفت إلينا الصيني يسأل:

- تفضلوا أيها السادة فالدور لكم .

- شكرا جزيلا لك، إنك رجل مهذب

- العفو

التزم الإيطالي الصمت، وأطلق نظره في أروقة المحل، وكأن شيئا لم يكن، وعندما انتهينا قدمنا شكرا حارا للصيني، ومضينا خفافا إلى الأروقة الأخرى، وكنا ننتظر أن الإيطالي سيغادر المكان غضبا، لقد تلقى درسا رائعا، لا نظن أنه ينساه، لكن المفاجأة أنه عاد إلى الصيني يسأل عن بقية التقنيات، وعاد الرجلان إلى حالة من الصفاء دون اعتبار ما مضى. إن هذا شيء عجيب إننا في أوطاننا إذا حدث مثل هذا مضى خصمك غاضبا وهو يلعن، ثم قدم نذرنا ويمينا على أن لا يكلمك أبدا ولا يزورك في مكان، وفي المجالس العامة والخاصة يأكل لحمك دون شبع، وإذا أردت أن تعود الألفة بينكما فعليك بحشد من الوسطاء لرأب الصدع ومسح الآلام .. فما السبب ياترى ؟

أردت بهذا التساؤل أن أشارك القراء لبحث هذه المشكلة في عالمنا، هل تعود إلى الطباع، أم الثقافة ، أم إلى مناهج التعليم الأخلاقي ؟

توقيع :

لا يزال الحق فينا مذهباً * * * رضي الخصم علينا أم أبى
ما بقينا فعلى الحق وإن * * * نَقْضِ أحسنّا به المنقلبا
إنما سيرتنا العدل ولــن * * * ننثني عن نشره أو نذهبا

رد مع اقتباس
 
جاري التحميل ..