منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - كنوز البوادي من درر الشيخ سيف الهادي
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 12-04-2012 ]
 
 رقم المشاركة : ( 27 )
::المراقب العام::
:: عضو مؤسس::
رقم العضوية : 5936
تاريخ التسجيل : Aug 2012
مكان الإقامة : في عيون الناس
عدد المشاركات : 1,493
عدد النقاط : 118

ناشر الفوائد غير متواجد حالياً



( رمضان محطة الزاد، والتدريب ) ج2

تكلمنا في المقال السابق عن الدورة الإلهية المجانية في صقل النفوس وتهذيب الطباع، وسلاسة قيادة النفس إلى الخير دون عناء أو ضجه، لأن رمضان يوفر هذه الصور التدريبية من خلال فرض المراقبة الصارمة على رغبات الحواس الجسمانية، والاستعانة على ذلك بالجانب الإيماني.
والعجيب الذي – ربما - لم يخطر ببال الكثير من القراء أن هذا المسلم لا يمكن بأي حال من الأحوال إقناعه بالأكل وال
شرب في نهار رمضان، حتى ولو قدم له أشهى أنواع الأطعمة والأشربة وألذها، وحتى لو وضع في غرفة مغلقة بحيث ينفرد بنفسه لحظة القرار، إلا في حال التهديد بالقتل فإنه يفطر حينئذ اضطرارا. لكن هذا المسلم أو المسلمة أصحاب هذه المقاومة الشرسة، سرعان ما يستسلمان لأدواء النفس وأمراضها من الغيبة والنميمة والكذب أو الخداع، أو لرغبات الجسد الكسول فينامان عن صلاة الفجر أو الصلوات الأخرى، أو لرغبات الغريزة والهواية الطبعية في متابعة المسلسلات والأفلام الهابطة! فيا ترى أين ذهبت تلك المقاومة الشرسة ؟! ولماذا لم يكن مثلها في هذه المواضع ؟! الواقع أن ذلك مرده إلى عدم اكتمال الفهم الصحيح لمعنى الصيام واختزاله كاملا في الامتناع عن الأكل والشرب، وهذا هو الجانب الحسي من الصيام، بيد أن هذا الجانب لا تكون له قيمة في تحديد معاني الجودة في الصيام، ولا تُحْسَب مقاومةٌ مقبولةٌ لصاحبها ما لم تكن أجزاء الصورة مكتملة لتشكيل اللوحة الكاملة، لأن هذه الدورة الإلهية يقتضى من صاحبها أن يتمتع بمهارات كثيرة حتى يحصل على درجات النجاح، منها صيانة الحواس من اللهو والرفث والسخب، والسب والشتم والغيبة والنميمة وما يقاس على هذه المعاصي، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" وبيّن في هذا الشأن بأن الأصل في الصيام أنه جنه يمنح صاحبه وقاية كاملة من أخطار النفس وأدوائها، وهو كافٍ لصد الخصم عن مواصلة الاستفزاز؛ في إشارة إلى أن النفس الصائمة لا تطأطئ رأسها لأصحاب الأخلاق السيئة، فيقول صلى الله عليه وسلم: " الصيام جنه ، فإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم" وهذه اللفظة الأخيرة كما يبدوا لفظة مقدسة يحترمها أصحاب النفوس المؤمنة فيعتبرونها عذرا مقبولا لصاحبها من الخوض مع الخائضين، أما مع أولئك الذين لا يضعون لها مكانة فإن المسلم عندئذ مطالب بالدفاع عن نفسه في حدود المسموح " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " . والعجيب أن اختيار الصوم لمنع النفس من التصريحات المسفه أمر مقدس حتى عند اليهود، فمع علم الله تعالى بخبث طواياهم، وسوء سرائرهم إلا أنه أمر مريم عليها السلام أن تتقي أسئلتهم المحرجة بإعلان الصيام عن الكلام، وهو لون من العبادات المقدسة عند بني إسرائيل، يقول سبحانه: " فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا " .
وقول المسلم " إني صائم " ينبغي أن تعمم كثقافة مجتمعية يضع لها الناس مساحة من الاحترام والتقدير، وليس بالضرورة تكون في رمضان بل الحديث ينص على الصيام لذاته في أي شهر وأي وقت، ولو عود المسلم نفسه على صيام الحواس عن اللغو يكون قد حصل على تدريب جيد من أثر الصيام.
واختبار إيمان المسلم بقيمة صيامه وقداسته يكون في مختلف النواحي، سواء كان في ما يتعلق بأمراض النفس كالغيبة والنميمة، يقول صلى الله عليه وسلم: " الغيبة والنميمة تفطران الصائم وتنقضان الوضوء " أو في رغبات النفس الغرائزية في الحلال كالجماع نهار رمضان، مع وضع عقوبات قاسية – كفارات - لضمان عدم تكرار هذا الأمر.
أو حتى في لحظة صناعة الجو الروحي والخلوة مع الله أثناء الاعتكاف في المساجد، لدرجة أن الله اعتبره حدا من حدوده التي لا يجوز انتهاكها بأي حال، فلنتأمل في قول الله تعالى: " وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ".

توقيع :

لا يزال الحق فينا مذهباً * * * رضي الخصم علينا أم أبى
ما بقينا فعلى الحق وإن * * * نَقْضِ أحسنّا به المنقلبا
إنما سيرتنا العدل ولــن * * * ننثني عن نشره أو نذهبا

رد مع اقتباس
 
جاري التحميل ..